webnovel

الفصل الأول

الفصل الاول

__ ١ __

مربوط بحبل ذا وثاق لا يستطيع أحداً فكه، يضع المسدس على جبهته، يبتسم ذاك الرجل الذي تخطى الستين عاماً ابتسامة شامتة أو فلنقل ساخرة بمعنى آخر، يزداد شحوب وجه ذاك الشخص الذي تم توثيقه بحبل لا يستطيع أحداً قطعه لكنه لا يبين ذلك ويستمر بابتسامته الساخرة، يسير ذاك الأخير في تلك الغرفة المظلمة ذهاباً وإياباً، بعد أن أنزل المسدس من على رأس ذاك الأخير، رفع المسدس مجدداً وأطلق رصاصة في منتصف جبهته، نافورة من الدماء تغرق تلك الأرض المظلمة وتلطخ ملابس الذي قتله بدم بارد، يضحك بجنون ربما قد جن جنونه بسبب تلك الدماء التي يراها على أرضية الغرفة ربما؛ وربما كنت أنا من أتوهم ذلك.

هذه ليست بداية الأحداث يا صديقي لقد بدأت الأحداث منذ أعوام بعيدة، دعونا نعرف متى بدأت تلك الأحداث وكيف ستنتهي تلك الأحداث المتشابكة أو فلنقل المعقدة.

٭ ٭ ٭

الأحد 16 أكتوبر 1976م ( الساعة الـ ٥ مساءً )

فتى لم يتجاوز الستة أعوام بعد غادر بيت عمه مبكراً على غير العادة أوصله عمه بسيارته وتركه وذهب، فتح باب الشقة فسمع صوتٍ يأتي من غرفة والدته، تحرك ناحية الغرفة ببطء لكي يفاجئ والدته بقدومه باكراً، فتح باب غرفة والدته، انتفضت تلك الأخيرة بفزع وهي عارية الجسد، وقفت أمام ابنها وصفعته صفعة دوت في إرجاء الشقة، سقط الفتى على قطعة زجاج حادة فتحت له رأسه، أخذت رأسه تنزف دمًاًّ دون توقف، نظرت الأم بتشفي كأنها شفيت غليلها منه وقد نسيت أنه ابنها وفلذة كبدها، فتح عينيه لثانية فوجد والدته تقف بلا حراك وهي تبتسم، نزلت قطرات من الدمع على وجنتيه، فتح عينيه بعد عدت ساعات وجد نفسه راقداً على سرير طبي في غرفة بالمستشفى وبجانبه عمه ينظر في حزن على حالة هذا الفتى المسكين الذي تخلى عنه والده لأنه ابن غير شرعي، نظر له الفتى وفي حزنٍ فال :

– عمي لماذا صفعتني والدتي على وجهي هل لأنني قررت أن أفاجئها بقدومي باكراً أم لأنني اقتحمت الغرفة دون استئذان وذاك الرجل معها

لم يستطع العم النطق بحرفٍ واحد من شدت الصدمة، يفكر أن تلك العاهرة والدته قد زنت مع شخص آخر وعندما دلف الفتى للغرفة قد جن جنونها وكادت تقتله، يا لا خساسة تلك النساء يقتلون أطفالهم ليشبعوا شهواتهم ونزواتهم لكن الله رقيب عتيد.

٭ ٭ ٭

الجمعة ١٣ مارس ٢٠٠٦م ( الساعة الـ ١ مساءً )

تضحك باستهزاء تلك هي ضحكتها المعتادة عندما يذكر أحدهم اسم الله أمامها، نعم كفرت بالله بعدما ألقت المصحف الشريف في المرحاض لعنة الله عليها، وقف والدها امامها، صفعها صفعة هزت أرجاء الفيلا وهو يلوي شفتيه ممتعضاً، وفي ازدراء قال :

– أنتِ من جلبتهِ لنفسكِ يا " نورهان ‟ لقد زنيتِ منذ أربعة وثلاثون عاماً وقد تغاضيت عن ذلك بزواجكِ إجبارياً من ( عزت محمود ) وقد تطلقتِ بعد تسعة أشهر من إنجابكِ طفل غير شرعي، والآن ترمين المصحف في المرحاض وتستهزئين بكلام الله عز وجل وتزنين بعدما تزوجتِ من "مصطفى‟ وأنجبتِ فتاة وفتى فهذا لن أسكت عنه

نظرة ساخرة اطلت من عيناها السوداوان قائلة : 

– أذن أنا الملامة الآن

وأكملت في غضب لم يعهده فيها والدها من قبل :

– ماذا عنك أنت يا والدي العزيز، لقد طردت حفيدك لأنه ابن حرام عجيب أنت يا أبي وماذا عن محاولاتك الفاشلة لقتل "عمرو‟ عشرات المرات، وتحدث معي جيداً لأنني لا ارحم وأن تحدثت ثانية أخرى لن تشرق عليك شمس

نظرت له نظرة لن ينساها طيلة حياته وركضت مسرعة، نظرة ذهول اطلت من عيناه وهو ينظر في الفراغ.

٭ ٭ ٭

الإثنين 17 أكتوبر 1976م ( الساعة الـ 9 صباحاً )

خرج الفتى الصغير من المستشفى وبأمر من جده نقل أغراضه وذهب لمنزل خاله، أوصله عمه أمام باب منزل خاله الضخم لأن خاله فاحش الثراء، حديقة جميلة مليئة بالزهور الحمراء، حمام سباحة مليء بالمياه الباردة، بالداخل يوجد شاشة تلفاز ضخمة، أربعة مقاعد بلون ذهبي، مائدة مزينة بالورود تخطف الأبصار، خرجت امرأة في عقدها الرابع من ينظر لها يتشاءم، نظرت باتجاه "عمرو" في دهشة لأنها حين تزوجت "جلال"  لم تَرَى "عمرو" أبدا، تسألت قائلة :

– من أنت وكيف دخلت إلى منزلي

قال "عمرو" مبتسما :

– أنا "عمرو عزت محمود" أليس هذا بيت خالي "جلال إسماعيل"

في هذه الأثناء كان "جلال" يركن سيارته بداخل جراج السيارات، دلف لداخل المنزل لِيَرَى ابن شقيقته يقف بمنتصف المنزل وزوجته تستجوبه، أصدر صوتٍ كي يسمعانه فنظرا له الاثنان، قال من بين أسنانه التي أوشك على تحطيمها :

– من جاء بك الى هنا يا "عمرو"

حزن "عمرو" من فظاظة خاله، وفي هدوء قال :

– إنه جدي "إسماعيل" يا خالي بعد أن كادت أمي تقتلني البارحة وسأعيش معكم هنا

كاد يكسر اسنانه من فرط الغضب، نظر لزوجته وتركهم ورحل.

٭ ٭ ٭

الأحد 8 أغسطس 1980م ( الساعة الـ 2 مساءاً )

تجلده زوجة خاله بكرباج من جحيم قد وضعت على جسده ماء النار لأنه ذهب لمدرسته دون علمها، صراخ يجعلك تريد أن تبكي، تشوهات عديدة في جسده بسبب ماء النار الذي وضعت منه بضع قطرات على جسده وذاك الكرباج الذي تنهال به على جسده، تركته بعد أن سبته بأفظع الشتائم، أخذ يزحف غير قَادِر على الوقوف، زحف الى أن وصل لدرجات السلم الذي يقوده إلى غرفته بعد أن سلخ جلد بطنه من الزحف، حاول النهوض متشبثاً بسور السلم لكن في تلك اللحظة رأته ابنة خاله التي تكرهه وهي على أخر درجة من درجات السلم، وقفت قبالته بعد أن نزلت من أعلى الدرج، أوقعته على وجهه بقدمها، بعد أن سقط على وجهه قامت تلك الحاقدة بوضع قدمها فوق وجه "عمرو" وظلت تدهس وجهه، تورم وجه ذاك المسكين وهو لا يحرك ساكناً كأن روحه قد سحبت من جسده، تركته وصعدت لغرفتها، بعد وقت ليس بكثير، حضر "جلال" من عمله وجد "عمرو" كما هو مكفي على وجهه أسفل الدرج وخيطٍ من الدماء يسيل من أنفه وفمه، هرول باتجاهه مسرعاً، حمله وصعد به لغرفته، وضعه على فراشه وذهب ليحضر عدت الإسعافات الأولية، جلس على ركبتيه، اخرج قطنٍ وظل يمسح به الدماء التي على وجهه، خرج من الغرفة وهو ينادي زوجته بصوتٍ مرتفع، هرولت زوجته تجاهه بأقصى سرعة حتى كادت تتعثر وتسقط على وجهها، وقفت أمامه، بـ عينان تشتعلان لهبٍ من شدة الغضب، قال ناظراً في عينيها حتى كاد يغشى عليها :

– أيتها الحمقاء كدتِ تقتلين "عمرو" بغبائكِ هذا، لقد وجدته أسفل الدرج وخيطٍ من الدماء يسيل من انفه وفمه

ذهلت مما قال لأنها تركت "عمرو" وذهبت لغرفتها، كادت تنطق لكن صفعها صفعة هزت جدران الفيلا، سقطت على أثرها أرضٍ، قفزت من على الأرض قفزت لا تتناسب مع سنها، لوت فمها بتقزز وقالت :

– أنا من صنعت من رجل أعمال بمساعدة والدي وأخي وأنت ها هنا الآن أصبحت فاحش الثراء، أن كررت فعلتك تلك او امتدت يدك نحوي سأجعلك تعود فقيراً من جديد هل سمعتني

تركته وذهبت لغرفتها مرة أخرى، نظر في اثرها ببرود حد الصقيع.

٭ ٭ ٭

الثلاثاء 4 نوفمبر 1987م ( الساعة الـ 7 مساءً )

يلتف حبل حول رقبته معلق بتلك الحلقة دائرية الشكل المثبتة في سقف المخزن، يقف على أطراف الكرسي، يلتف حبل أخر حول يديه كي لا يستطيع التحرر، كيس أسود اللون موضوع فوق رأسه ويغطي كامل وجهه، لا بد أنكم عرفتموه، نعم أنه "عمرو"، ينظر له "جلال"  وهو يبتسم في سخرية، لقد خسر صفقة العمر بسبب ابنته وقد وشت تلك الأخيرة لوالدها وأخبرته أن "عمرو" قام بسرقة ملفات الصفقة الجديدة، وها هو الآن يقوم بشنقه دون رحمة أو شفقة، أوقع الكرسي على أرضية ذاك المخزن المهجور، جسده ينتفض ووجهه يتضرج باللون الأزرق الغامق وهو يختنق، فجأة انفتح باب المخزن المعدني ودلف منه "أسماعيل" وهو غاضب، قطع الحبل من رقبة "عمرو" بسكين صغير، سقط على وهو يسعل بحدة ويتنفس بسرعة وإضراب، نظر "إسماعيل" لـ "جلال" وهو مندهش من تصرفه هذا كاد يقتل "عمرو" لسبب تافه، قال "أسماعيل" غاضباً :

– هل جننت يا "جلال" ما هذا التصرف الأخرق الذي تقوم به تقتل ومن ابن شقيقتك وهل تنوي قتله وفي مخازني أيضاً أيها الأبله

وقف "عمرو" بعد أن انتظمت أنفاسه واختفت نوبة السعال تلك، يخفض رأسه انكسارا، هل يخبر خاله أن ابنته هي من قامت بسرقة الملفات أم يبقى صامتٍ، قرر أن يصمت كي لا تعاقب ابنة خاله، يا لا طيبت قلبه التي ستجعله يهلك لا محالة، انسابت قطراتٍ من الدمعِ من مقلتيه وهو صامت يستمع لشجارهما إلا أن توقف الاثنان ونظره باتجاهه فوجداه قد هرول مبتعداً، ابتعد ذاك الأخير مهرولاً،  أوقف سيارة أجرة وذهب بها لمنزل خاله وهو لا يستطيع السيطرة على دموعه التي تنساب كالجمر او شهقاته التي تجعلك تبكي حزنٍ عليه، ستودي بنفسك في جهنم ايها الفتى أن تركت ذاك القلب الغبي يتحكم بك.

٭ ٭ ٭

السبت 26 نوفمبر 1987م ( الساعة الـ 11 مساءً )

منطقة لا يوجد بها أحد، حفرة تشبه القبر أو هو قبرٍ بالفعل، يقف "جلال" بالقرب من ذاك القبر ومعه "عمرو" مكمم الفم مقيد اليدين والقدمين، تلك المرة قد افتعلت ابنته مشكلة كبيرة جداً وقد وجهت الاتهام لـ "عمرو" المسكين وأكدت بأنه هو من فعلها، ظل "عمرو" يصرخ لكن صوته لا يخرج لأنه مكمم بالطبع، رماه "جلال" بداخل ذاك القبر دون رحمة، غادر المكان وهو غاضب، أخذ يتلوى في الحفرة كي يتحرر لكن لا طائل من تلك المحاولات، ضوء سيارة يأتي من بعيد يضيء المكان، توقفت السيارة على بعد خطوتين من الحفرة، نزل من السيارة شخصٍ لم يتوقع "عمرو" أنه سيأتي لنجدته في هذا الوقت المتأخر من الليل، نعم أنه " معاذ"، لقد رَأَى "معاذ" وهو ذاهب لبيت خال صديقه فوجده مقيد بداخل السيارة فتتبعهما ووقف بعيداً عن ناظري "جلال" وبعد أن ذهب "جلال" تقدم "معاذ" بسيارته لكي يحرر صديقه، هم ليسوا أصدقاء بالمعنى بل أنهما كالأشقاء يتبادلان الأسرار وكل واحد منهما يحمل سر الأخر، فك قيود "عمرو" وخرج الاثنان من تلك الحفرة، حزن "معاذ" على صديقه وشقيقه التي لم تنجبه والدته، قال "معاذ" غاضباً من صديقه لأنه لا يريد التبليغ عنهم للشرطة :

– "عمرو" قلت لك مسبقاً إن تبلغ الشرطة لكنك تقول دائماً " إنهم عائلتي ولا أستطيع الإبلاغ عنهم او إيذائهم " أين هي تلك الأسرة يا صديقي أنهم لا يحبونك وأنت طيب القلب لدرجة أنك ستهلك من تلك الطيبة لا محالة

قال "عمرو" في هدوء وهو يبتسم لصديقه الذي يخاف عليه : 

– سأتركهم للخالق عز وجل يا "معاذ‟ وهو لن يخيب أملي على الإطلاق

في حزن قال "معاذ" :

– كما تشاء يا صديقي العزيز، لكن لن أتركك تذهب إليهم ستعيش معي من الآن فصاعداً

إماء له "عمرو" برأسه إيجاباً دون أن ينبس، فتح باب السيارة الأمامي وجلس خلف المقود وبجانبه جلس "عمرو" وملابسه مليئة بالأتربة، انطلق بالسيارة ذاهباً لفيلا "جلال" لكي يجمع اغراضه، بعد نصف ساعة وصل "معاذ" امام منزل "جلال"، أوقف السيارة، غادرها "عمرو" وبقي "معاذ" داخل السيارة بانتظاره، طرق "عمرو" الباب بضع مرات، انفتح الباب وأطل منه "جلال" برأسه فبهت وجهه وارتسم الذهول على ملامحه وهو يتساءل كيف خرج من الحفرة وكيف جاء هنا؟، دلف "عمرو" للداخل وتركه واقف على باب الفيلا جاحظ العينين، دخل غرفته وأخذ يلملم اغراضه ويضعها في حقيبة سفره، اغلق باب الغرفة خلفه، نزل للأسفل فوجدهم يحدقون به في دهشة من شجاعته هذه، دلف لداخل سيارة "معاذ" وانطلق بسيارته ذاهباً لشقته بعد أن توف. والداه من عام واحد وهو يسكن بمفرده، وشعر بسعادة لأن "عمرو" سيعيش معه، سعادة يخفي ورائها شيء يجعلك تقلق؛ تقلق من شيء مجهول قادم لا محالة.